من المتعة إلى الخطر.. كيف تؤثر غرف الدردشة في الألعاب الإلكترونية على الصحة النفسية للأطفال؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!




رنا عادل وسلمى محمد مراد


نشر في:
الإثنين 22 ديسمبر 2025 – 1:16 م
| آخر تحديث:
الإثنين 22 ديسمبر 2025 – 1:16 م

لم يعد الخطر على الأطفال والمراهقين قادمًا فقط من الشارع أو المدرسة، بل صار يتسلل إليهم عبر سماعات الرأس وشاشات الألعاب، وخلف أصوات الضحك السريع وتعليمات الفوز، تدور حوارات مجهولة في غرف دردشة افتراضية، لا نري فيها الوجوه ولا نعرف النوايا.

وهناك تتشكل صداقات خاطفة لتعطي مشاعر الانتماء والإنجاز، لكن في المقابل قد تُزرع بذور قلق وتنمر وإدمان، وصدمات نفسية صامتة.

وفي هذا التقرير، تكشف “الشروق” التأثير النفسي الخفي لغرف الدردشة داخل الألعاب الإلكترونية على الأطفال والمراهقين، من خلال قراءة علمية وتحليل متخصص يقدمه الدكتور محمد فوزي عبدالعال، أستاذ الطب النفسي بجامعة أسيوط.

مجتمع افتراضي يمنح المتعة والانتماء

يؤكد الدكتور محمد فوزي عبد العال أن غرف الدردشة داخل الألعاب الإلكترونية لم تعد مجرد وسيلة لتبادل التعليمات بين اللاعبين، بل تحولت إلى مساحات اجتماعية افتراضية كاملة، يعيش داخلها الأطفال والمراهقون تجارب نفسية مؤثرة، قد تكون داعمة في بعض الأحيان، لكنها تحمل في طياتها مخاطر حقيقية إذا غابت الرقابة والوعي.

ويتابع أن الطفل أو المراهق داخل اللعبة يشعر سريعًا بأنه جزء من جماعة، ويكون صداقات لحظية ويختبر إحساس الإنجاز عند الفوز أو التقدم في المراحل، وهو ما يتم تفسيره نفسيًا بزيادة إفراز مادة الدوبامين في المخ، وهو الناقل العصبي المرتبط بالمكافأة والمتعة، ما يجعل التجربة جذابة وقد تصل إلى حد الإدمان، خاصة عندما تصبح اللعبة وسيلة لتعويض نقص في الانتماء أو النجاح في الحياة الواقعية.

الخصوصية الضعيفة تفتح أبوابًا نفسية خطرة

ورغم الجوانب الإيجابية الظاهرة، يحذر عبدالعال من أن غرف الدردشة تفتقر إلى الرقابة الحقيقية، ويتعامل فيها الأطفال مع غرباء مجهولين الهوية، ما يجعلها بيئة خصبة لتأثيرات نفسية عميقة، قد تبدأ بانخفاض الثقة بالنفس، ولا تنتهي عند القلق الاجتماعي أو الصدمات النفسية في الحالات الأشد.

التنمر الإلكتروني جرح نفسي لا يُرى

ويؤكد أستاذ الطب النفسي أن التنمر الإلكتروني يعتبر الخطر الأكثر شيوعًا داخل هذه الغرف، حيث يتم استخدام ألفاظ جارحة وسخرية من الأداء أو الصوت، وقد يصل الأمر إلى إقصاء اللاعب الأضعف.

ويضيف أن الدراسات النفسية الحديثة تشير إلى أن التعرض المتكرر لهذا النوع من التنمر يؤدي إلى انخفاض تقدير الذات، وزيادة القلق والاكتئاب، وقد تتطور الحالة لدى بعض المراهقين إلى أفكار إيذاء النفس، وتكمن الخطورة الأكبر في أن هذا التنمر غالبًا ما يكون مجهول الهوية، ما يجعله أكثر قسوة واستمرارية، إذ لا يواجه الضحية شخصًا بعينه، بل أصواتًا ورسائل قد تلاحقه في أي وقت.

إيحاءات جنسية وارتباك مبكر

ويشير عبدالعال إلى أن كثيرًا من غرف الدردشة، خاصة في ألعاب المراهقين، تتضمن ألفاظًا بذيئة أو إيحاءات جنسية، وهو ما يضع الأطفال في مواجهة محتوى غير مناسب لمراحلهم العمرية، وهذا التعرض المبكر قد يسبب ارتباكًا نفسيًا وخجلًا أو فضولًا غير آمن.

وفي بعض الحالات الأخطر قد يتطور إلى ما يعرف بالتهيئة الجنسية “Grooming” من بالغين يتخفون بهويات صغيرة، ما يترك صدمات نفسية طويلة الأمد، مثل فقدان الثقة في الآخرين، وصعوبات في العلاقات المستقبلية، واضطرابات ما بعد الصدمة.

الابتزاز الإلكتروني ودائرة الخوف والعزلة

ويحذر عبدالعال من تصاعد ظاهرة الابتزاز الإلكتروني داخل هذه البيئات، حيث يبدأ الأمر بمشاركة صورة أو مقطع عفوي، ثم يتحول إلى تهديد وضغط نفسي مستمر.

ويشرح أن هذا النوع من الابتزاز يخلق شعورًا بالعجز الكامل لدى الطفل أو المراهق، ويدفعه إلى العزلة والاكتئاب، وقد يدمر صورة الذات في مرحلة عمرية تتشكل فيها الهوية النفسية والجسدية.

إدمان اللعب والخوف من المغادرة

ويرى أستاذ الطب النفسي أن غرف الدردشة تعمق إدمان الألعاب لأنها تربط اللعب بالعلاقات الاجتماعية، فيشعر الطفل أن مغادرته للعبة تعني فقدان أصدقائه ومكانته داخل المجموعة.

ويضيف أن اللعبة يمكن أن تعوض احتياجات نفسية أساسية مثل الانتماء والإنجاز، خصوصًا لدى من يعانون ضغوطًا دراسية أو أسرية، ومع الوقت يعتاد المخ على الإثارة السريعة، فيبدو الواقع أقل متعة، ما يؤدي إلى عزلة اجتماعية وتراجع دراسي، اضطرابات في النوم، وتقلبات مزاجية حادة، إضافة إلى الخوف من الفوات “FOMO” الذي يجعل الانفصال عن اللعبة أكثر صعوبة.

لماذا الأطفال والمراهقون هم الأكثر تأثرًا؟

ويفسر عبد العال ذلك أن المخ في هذه المرحلة العمرية لم يكتمل نموه بعد، خاصة الأجزاء المسئولة عن التحكم في الاندفاع وتقييم المخاطر، إلى جانب البحث الطبيعي عن الهوية والانتماء، وقلة الخبرة التي تجعل الثقة في الغرباء أسهل وأسرع.

نصائح للأسر: حماية دون قمع

ويختتم عبدالعال تصريحاته بالتأكيد أن الحل لا يكمن في المنع التام، بل في الرقابة الواعية، واعتماد رقابة أبوية ذكية توازن بين الحماية والاحترام، دون إفراط يخلق التمرد.

كما شدد على أهمية الحوار المفتوح مع الأبناء حول ما يواجهونه داخل الألعاب دون توبيخ أو تهديد، وتشجيع الأنشطة الواقعية وبناء صداقات حقيقية، والاستفادة من إعدادات الخصوصية داخل الألعاب، مثل تعطيل الدردشة الصوتية للأطفال الأصغر سنًا.

ويختتم حديثه موضحًا أن غرف الدردشة ليست خطرًا مطلقًا، لكنها مساحة نفسية حساسة، قد تكون داعمة أو مؤذية، والفارق الحقيقي تصنعه درجة الوعي الأسري والمجتمعي، وليس التكنولوجيا وحدها.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً