سان فرانسيسكو – (د ب أ)
نشر في:
الأربعاء 19 نوفمبر 2025 – 12:30 م
| آخر تحديث:
الأربعاء 19 نوفمبر 2025 – 12:31 م
بينما أنت جالس على الأريكة في غرفة المعيشة تتصفح حسابك على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، يطالعك مقطع فيديو مدهش، حيث ترى نمرا ضخما يقفز في الساحة الخلفية لأحد المنازل في طريقه لافتراس طفل صغير لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات، وفجأة يهب قط منزلي للدفاع عن الصغير ويهاجم الوحش الضاري ويدفعه للفرار. وبينما أنت بصدد ارسال هذا المقطع الرائع إلى أحد أصدقائك، يداهمك شعور عارم بالشك، وتتساءل هل من الممكن أن يكون هذا المشهد حقيقي بأي شكل من الأشكال؟
وتبدو بعض مقاطع الفيديو الخاصة بالحيوانات المصنوعة بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي واقعية لدرجة أنك قد لا تستطيع في بعض الأحيان التمييز بينها وبين المقاطع الحقيقية. ورغم أن هذه الفيديوهات قد تبدو كمزحة بريئة، يدق علماء وخبراء متخصصون ناقوس الخطر من تداعيات مثل هذه المقاطع على جهود حماية الأنواع الحية والعلاقة بين الأطفال والطبيعة بل والواقع بشكل عام. وخلال دراسة نشرتها الدورية العلمية Conservation Biology المعنية بجهود حماية الأنواع الحية، قام فريق من الباحثين بدراسة مدى انتشار وإشكالية الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بالحيوانات والطيور البرية المصنوعة بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، ووجدوا أن هذه الظاهرة ترتبط بثلاث قضايا رئيسية وهي الفهم الخاطئ لسلوكيات الحيوان، وإضفاء سمات بشرية على الحيوانات، وأخيرا زيادة الانفصال بين المجتمع والطبيعة.
ويقول خوزيه كاسادو الباحث في مجال علوم الحيوان بجامعة قرطبة الإسبانية: “تشير النتائج إلى أن بعض المقاطع المنشورة على مواقع التواصل مثيرة للقلق لأنها لا تعكس الواقع وقد تؤدي إلى تضليل المشاهد”، مضيفا في تصريحات للموقع الإلكتروني “بوبيولار ساينس” المتخصص في الأبحاث العلمية: “يتعين أن يكون المجتمع مطلعا بشكل جيد من أجل ضمان فعالية جهود حماية التنوع البيولوجي”. واستشهد كاسادو بمقاطع فيديو تظهر فيها طيور صغيرة وهي تقتل ثعابين “شريرة” دفاعا عن أفراخها في العش، قائلا إن “تعليقات بعض المستخدمين الذين يشاهدون مثل هذا المقطع تكون متحمسة لنتيجة المعركة، ولكنه يتساءل بشأن تداعيات مثل هذه النوعية من ردود الفعل على جهود حماية الثعابين. وأوضح أنه إذا تم توجيه الموارد العامة نحو الحفاظ على فصيلة مهددة بالانقراض من الثعابين بدون وجود دعم شعبي كافي، فسوف يتم تقويض مثل هذه الجهود.
وذكرت جامعة قرطبة في بيان بشأن الدراسة أن مثل هذه الفيديوهات قد تعطي انطباعا خاطئا بشأن وفرة الأنواع الحية المهددة بالانقراض مما يزيد هوة الانفصال بين البشر والحياة البرية، وقد تعطي هذه المقاطع الاطفال معتقدات خاطئة بشأن بيئة الحياة البرية المحلية، وردود الفعل الحقيقية للحيوانات البرية، بمعنى آخر، عندما يدرك الأطفال أن الأرانب الصغيرة لا تمرح وتتقافز بصحبة دبة برية سوداء في الساحة الخلفية للمنزل، فإنهم يتعرضون لخلل في عملية الاتصال بالواقع، على حد قول روسيو سيرانو استاذ علوم التربية بجامعة قرطبة وأحد المشاركين في الدراسة. وتتزايد حدة هذه المشكلة نظرا لأن البشر، ولاسيما من الشباب، أصبحوا يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متزايد باعتبارها مصدرا للمعلومات، كما أن رؤية مشاهد مزيفة لصداقات وتآلف بين أشخاص وحيوانات برية غريبة، قد يجعل مزيد من الناس يريدون اقتناء مثل هذه الحيوانات في المنزل.
واقترح فريق الدراسة ضرورة مواجهة الضرر المحتمل الذي قد يترتب على هذه النوعية من الفيديوهات عن طريق وضع استراتيجيات للتوعية، وبرامج لمكافحة ما يصفونه بالأمية الإعلامية، ونشر التعليم البيئي في المدارس، وذلك “للتأكد من أن الأطفال يفهمون في مرحلة مبكرة من العمر أن الأسود لا تعيش بيننا” على حد قول فرانسيسكو سانشيز الباحث في مجال علوم الحيوان بجامعة قرطبة. ولعل المغزى من هذه الدراسة هو ضرورة تحري الحقيقة بشأن مقاطع الفيديو التي تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم أن بعض الفيديوهات المصنوعة بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يكون من السهل اكتشاف زيفها، من خلال ملاحظة تدني جودة هذه الفيديوهات وطولها وبعض السمات التي تجعلها تبدو غير حقيقية، فإن هناك مقاطع أخرى يصعب اكتشافها وقد تبدو للوهلة الأولى طبيعية وحقيقية رغم غرابة أحداثها.
ويوضح سوي ليو مهندس الكمبيوتر بجامعة بافالو الأمريكية أن “مقاطع الفيديو المصنوعة بواسطة الذكاء الاصطناعي يمكن أن تبدو مقنعة، ولكن هناك بعض المؤشرات التي تكشف حقيقتها”. وينصح المشاهدين بضرورة “الالتفات إلى أي حركات تبدو غير طبيعية في هذه المقاطع، حيث قد ترى الحيوانات تتحرك بسلاسة غير معتادة أو طبيعية، أو بشكل يخالف قوانين الفيزياء على سبيل المثال، مضيفا أن عدم اتساق الإضاءة في تلك المقاطع قد يكون من المؤشرات التي تكشف زيفها، حيث يكتشف المشاهد أن حركة الضوء والظلال لا تتماشى مع طبيعة المشهد وخلفيته. وأخيرا يقول ليو إنه “يتعين على المشاهد النظر عن كثب إلى بعض التفاصيل الدقيقة مثل فرو الحيوان أو ريش الطائر، حيث أن برامج الذكاء الاصطناعي تقوم في بعض الأحيان بتظليل تلك التفاصيل أو تكرار الأنماط بشكل غير طبيعي”.