رنا عادل وسلمى محمد مراد
نشر في:
الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 – 11:41 ص
| آخر تحديث:
الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 – 11:41 ص
رغم شكاوى كثير من الأسر من عدم قدرتهم على تنظيم وقت أبنائهم أمام الشاشات أو التحكم في نوعية المحتوى الذي يتعرضون له يوميا باتت ظاهرة أخرى تتزايد بسرعة لافتة وهي استغلال بعض الأطفال في إنتاج محتوى رقمي يدر أرباحا على ذويهم بدلا من أن يعيشوا طفولتهم بصورة طبيعية.
فالطفل اليوم لا يقتصر تعرضه على مشاهدة محتوى قد لا يناسب سنه، بل أصبح في بعض الحالات طرفا أساسيا في صناعة هذا المحتوى نفسه، يظهر بشكل متكرر أمام الكاميرا، ويشارك في تسجيل مقاطع موجهة للجمهور تضعه في دائرة الضوء دون مراعاة لاحتياجاته النفسية أو لحقه في النمو واللعب بعيدا عن حسابات المشاهدات والربح.
الحد الفاصل بين المشاركة العفوية والاستغلال الرقمي
أوضحت آية حمدي، المحامية والباحثة القانونية ومؤسسة مبادرة حراك، أن التمييز بين الظهور العفوي للأطفال في المحتوى الرقمي وبين استغلالهم لغرض التربح يرتبط بوجود نية واضحة لتحقيق مكاسب مادية مع إثبات وقوع استغلال أو إكراه. فالنيابة العامة هي الجهة التي تحدد ما إذا كان ظهور الطفل يمثل استغلالا فعليا، من خلال النظر في ما إذا كان الطفل قد استخدم للترويج لأمور لا تناسب مرحلته العمرية، أو ظهر في مقاطع غير عفوية صورت تحت ضغط أو توجيه صارم.
وتشير حمدي إلى أننا منذ ظهور الإعلانات التلفزيونية اعتدنا رؤية الأطفال في الإعلانات، لكن الفارق الحقيقي يكمن في حجم الضغوط التي يتعرض لها الطفل ونوعية المحتوى الذي يشارك فيه، خاصة أن منصات التواصل الاجتماعي لا تخضع لأي ضوابط واضحة تحدد ما يجوز وما لا يجوز إظهاره مقارنة بالتلفزيون الذي يعمل وفق معايير رقابية محددة.
استغلال الأطفال في المحتوى من منظور حقوقي
ومن منظور حقوقي فإن إجبار الطفل على الظهور أو استخدامه في المحتوى الرقمي دون إدراكه الكامل لما يحدث يعد شكلا من أشكال الاستغلال، لأن الطفل لا يمتلك القدرة القانونية أو الإدراكية لاتخاذ قرار بشأن ما يناسبه أو ما يؤثر عليه. وترى حمدي أن هذا السلوك لا يندرج فقط تحت بند الاستغلال، بل قد يعتبر أيضا شكلا من أشكال العنف النفسي والإساءة، وقد يصل إلى حد اعتباره من صور عمالة الأطفال، وكلها ممارسات يحظرها قانون الطفل والاتفاقيات الدولية. وترتبط هذه الانتهاكات أيضا بمسألة انتهاك الخصوصية إذ قد يتعرض الطفل للانتقاد أو السخرية عبر الإنترنت، وهو لم يختر أن يصبح شخصية عامة أو مادة للمشاهدة، بينما التبعات النفسية والاجتماعية لهذا الظهور قد تستمر معه لفترة طويلة.
مخاطر التنمر المستقبلي وآثار لا تمحى
ولفتت إلى أن كثيرا من أولياء الأمور يغفلون عن الأثر المستقبلي الذي قد تسببه المقاطع المنشورة لأطفالهم على الإنترنت، مشيرة إلى أن هناك أطفالا لم يتجاوزوا عمر الثلاث سنوات أصبحوا مادة للسخرية، وتعرضوا لأوصاف مسيئة في التعليقات والمنشورات ومع نمو الطفل واطلاعه على هذه المقاطع المرتبطة به، قد يشعر بالخجل والعار من شيء لم يختره بإرادته أو وعيه، خاصة أن المحتوى المنشور على الإنترنت لا يمكن محوه بسهولة، وقد يظل متداولا لسنوات طويلة، مما يعني أن الأثر النفسي قد يلاحق الطفل في مراحل عمرية لاحقة.
أنماط المحتوى الأكثر وضوحا في الانتهاك
وتشير إلى أن بعض أنواع المحتوى تكون واضحة للغاية في تجاوزها لحقوق الطفل، مما يجعل الإبلاغ عنها أكثر سهولة. من بين هذه الأنماط المقاطع التي تعتمد على تخويف الطفل عمدا بهدف إثارة تفاعل المشاهدين، أو تنفيذ مقلب يفزعه أو يعرضه للأذى الجسدي، إضافة إلى المحتويات التي تشجع الأطفال على ضرب بعضهم أمام الكاميرا بغرض إضحاك الجمهور.
وتقول حمدي إن هذه الأنماط تمثل انتهاكا مباشرا لحقوق الطفل النفسية والجسدية، وغالبا ما تتعامل معها الجهات المختصة بسرعة نظرا لخطورتها.
الحاجة إلى تشريعات أكثر تخصصا وتنظيما
وترى آية حمدي أن الوضع القانوني في مصر ما زال يحتاج إلى نطاق تشريعي أكثر تفصيلا وتخصصا فيما يتعلق باستغلال الأطفال في المحتوى الرقمي، رغم وجود قانون الطفل وقانون جرائم المعلومات. وتلفت النظر إلى أن دولا مثل فرنسا وبريطانيا وضعت أطرا واضحة لحماية الأطفال المشاركين في المحتوى الربحي، حيث تشترط الحصول على إذن مسبق وتحدد عدد ساعات الظهور، وتلزم بوضع الأموال الناتجة عن هذا المحتوى في حساب بنكي باسم الطفل وليس الأهل.
وتوضح حمدي، أن هذه التشريعات تهدف إلى ضمان ألا يتحول الطفل إلى وسيلة للتربح أو مصدر دخل للأسرة دون حماية حقوقه أو مراعاة مصلحته العليا.