آلاء يوسف
نشر في:
الأربعاء 23 أبريل 2025 – 4:22 م
| آخر تحديث:
الأربعاء 23 أبريل 2025 – 4:22 م
أكدت دار الإفتاء جواز اتباع المسلم جنازةِ غير المسلم وتشييعها، لافتة إلى أن ذلك من صور المواساة والبرِّ ومكارِم الأخلاق المأمور بها شرعًا.
جاء ذلك في فتوى سابقة نشرتها ردًا على سؤال وردها نصه: “يسكن بجانبي جار غير مسلم، وقد اشتهر أبوه بتعصبه الشديد لديانته وعمله على نشرها والتشكيك في الإسلام من خلال المؤسسات الاجتماعية التي كان يُشرِف عليها، وقد توفي هذا الرجل قريبًا، فهل يشرع لي تعزية جاري فيه، وماذا أقول له في تعزيته؟”
وأكدت الإفتاء أن اتباع الجنائز من حسن معاملة أهل الكتاب الذي أثبتته نصوص الكتاب والسنة وإجماع العلماء.
ولفتت إلى أن النبي بعث رحمةً للعالمين دون تفرقةٍ بين جنسٍ وجنسٍ أو طائفةٍ وأخرى، أو دينٍ ودينٍ، بل كان رحمةً لكلِّ البشر؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
كما ذكرت بأهمية صفة الرحمة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا رَحِيمٌ»، قلنا: كلُّنا رحيمٌ يا رسول الله، قال: «لَيْسَتِ الرَّحْمَةُ أَنْ يَرْحَمَ أَحَدُكُمْ خَاصَّتَهُ؛ حَتَّى يَرْحَمَ الْعَامَّةَ، وَيَتَوَجَّعَ لِلْعَامَّةِ».
وورد في الفتوى: “راعى الإسلام مشاعرَ الإنسان وأحزانَه في حال الوفاة ولو كان على موت حيوان تعلَّق به؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يدخل علينا ولي أخٌ صغيرٌ يُكَنَّى أبا عُمَير وكان له نغر يلعب به، فمات، فدخل عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فرآه حزينًا، فقال: «ما شأنُه؟» قالوا: مات نغره، فقال: «يا أبا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟»”.
وشددت على أمر الإسلام بحسن معاملة أهل الكتاب ورحمتِهم لافتة إلى دخوله في عموم الأمر بالرَّحمةِ وحُسن الخلق، ويزداد تأكُّدًا بما ورد في حقِّهم ونُصَّ عليه في شأنِهم؛ من وجوب الإحسان إليهم؛ حيث قال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ وقال سبحانه: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.
واستدلت بجواز تشييع جنائز أهل الكتاب بما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: “مرَّ بنا جنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقمنا به، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي، قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا».
وعن سهل بن حنيف، وقيس بن سعد رضي الله عنهما قالا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرَّت به جنازةٌ فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: «أَلَيْسَتْ نَفْسًا» متفق عليه.
كما شيَّع الصحابة رضي الله عنهم جنازةَ نصرانيَّة؛ هي أم الحارث بن أبي ربيعة رضي الله عنه؛ فعن الشَّعبي قال: “ماتت أم الحارث بن أبي ربيعة رضي الله عنه، وكانت نصرانيةً، فشيَّعها أصحابُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم” أخرجه محمد بن الحسن في “الآثار”، وابن أبي شيبة وعبد الرازق الصنعاني في “مصنفيهما”.
وعن عبد الله بن شريك رضي الله عنه قال: “سمعت ابن عمر رضي الله عنهما، سئل عن الرجل المسلم يتبع أمَّه النصرانيَّة تَموت؟ قال: يتبعها ويمشي أمامها”.
كما أكدت “الإفتاء” نصَّ الفقهاء من الحنفية والشافعية على جواز تشييع جنازة أهل الكتاب واتباعها؛ سواء كان المتوفَّى من الأقارب أو الجيران أو لم يكن كذلك.
ولفتت إلى أن المواطَنَةُ تفرِض على المسلم حقوقًا لمواطنِيه؛ منها التَّناصُرُ والتآزُرُ والتَّعاون والمواساة وردُّ التَّحيَّة والنَّصيحة وحسن الخلق والمعاملة بالمعروف، والدِّفاع عنه وعن حرماته وأمواله، وتشييع الجنائز من أعظم ما تحصل به المواساة ويتحقق به البرُّ والرحمة والتخفيف عن أهل المتوفَّى في مصابهم، وذلك من حقوق الإنسان على أخيه الإنسان.