من المزاح إلى الاستدراج.. كيف يتم اصطياد الأطفال داخل الألعاب الإلكترونية؟‬

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!




رنا عادل وسلمى محمد مراد


نشر في:
الإثنين 22 ديسمبر 2025 – 1:14 م
| آخر تحديث:
الإثنين 22 ديسمبر 2025 – 1:14 م

في عصر التكنولوجيا الذي غير شكل الحياة ومجالاتها المختلفة، أصبح حتى اللعب مساحة مكشوفة، وداخل هذه العوالم لا يقتصر التفاعل على المنافسة أو التعاون داخل اللعبة، بل يمتد إلى دردشات نصية وصوتية، قد تبدأ بمزاح عابر، وتنتهي بمحاولات استدراج خفية، يكون الأطفال أكثر ضحاياها هشاشة.

وفي هذا التقرير نقترب من الجانب التقني الخفي لغرف الدردشة داخل الألعاب ونفكك آليات الاستدراج، من خلال قراءة متخصصة يقدمها بيير عماد، مبرمج ألعاب، في تصريحات خاصة لـ”الشروق”.

كيف تعمل غرف الدردشة داخل الألعاب؟

يشرح بيير عماد أن غرف الدردشة داخل الألعاب ليست سوى وسيلة تواصل مدمجة في بيئة اللعب، وتنقسم عادة إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

• دردشة عامة تظهر لجميع اللاعبين، وغالبًا ما تُستخدم للدعوة إلى اللعب أو تبادل عبارات سريعة.

• دردشة الفريق، وهي مخصصة لمجموعة تلعب معًا لتنسيق الخطط أو تبادل التعليمات أثناء اللعب.

• دردشة خاصة، وتكون بين شخصين فقط، لكنها أقل انتشارًا مقارنة بالنوعين السابقين.
وتقنيًا، لا يختلف نظام الدردشة داخل الألعاب عن تطبيقات التواصل الاجتماعي الشهيرة، فكل الرسائل تمر عبر “سيرفر” مركزي يعمل كوسيط سريع لنقل البيانات، والمشكلة كما يوضح عماد، أن هذه الأنظمة لا تتطلب في الغالب أي تحقق حقيقي من هوية المستخدم، ما يفتح الباب لانتحال الشخصيات والتواصل مع الأطفال تحت هويات وهمية.

الشات النصي أم الصوتي؟ أين تكمن الخطورة الأكبر؟

ويضيف أنه من الناحية التقنية، لا يوجد فرق جوهري بين الشات النصي والصوتي، فكلاهما بيانات تُرسل إلى السيرفر، لكن الفارق الحقيقي يظهر في سهولة الرقابة، ففي الدردشة النصية، تستطيع الألعاب استخدام فلاتر ذكية لرصد الكلمات المسيئة أو المشبوهة، أما الدردشة الصوتية، فمراقبتها أصعب بكثير، لأنها تتطلب معالجة فورية ومعقدة قد تؤثر على سرعة اللعبة نفسها، وهو ما يدفع كثيرًا من المطورين لتركها دون رقابة لحظية.

ونفسيًا، يؤكد بيير عماد أن الصوت أكثر خطورة، لأنه يكسر الحاجز النفسي سريعًا، فسماع الطفل لصوت الطرف الآخر يمنحه إحساسًا زائفًا بالألفة والمعرفة، ما يسهل بناء ثقة يمكن أن يتم استغلالها لاحقًا في الاستدراج.

هل يتم تسجيل المحادثات؟ وثغرة الحسابات الوهمية

ويوضح مبرمج الألعاب أن سياسات تخزين المحادثات تختلف من لعبة لأخرى ومن دولة لأخرى، لكن معظم الألعاب الكبرى تقوم بتخزين الدردشة النصية لفترات محدودة، بهدف تفعيل خاصية الإبلاغ “Report” ومراجعة الشكاوى.

أما الدردشة الصوتية، فلا يتم تسجيلها في كثير من الأحيان بسبب التكلفة الضخمة للتخزين، ما يجعلها ملاذًا آمنًا للمخالفين.

أما الثغرة الأخطر، فهي سهولة إنشاء الحسابات الوهمية، إذ يمكن لأي شخص إنشاء حساب جديد خلال دقائق باستخدام بريد إلكتروني فقط، دون أي تحقق حقيقي من الهوية، وهو ما يسمح بالعودة السريعة حتى بعد الحظر.

ذكاء اصطناعي يراقب، ولكن!

ويوضح أن هذا الخطر بات أقل في ظل التطور الهائل للذكاء الاصطناعي، فعدد كبير من شركات الألعاب أصبحت تعتمد على أنظمة ذكاء اصطناعي متطورة لرصد الكلمات والسلوكيات المشبوهة، وهذه الأنظمة لا تبحث فقط عن كلمات بعينها، بل تحلل سياق المحادثة بالكامل، وتستطيع اكتشاف محاولات التحايل على الكتابة، أو مشاركة أرقام هواتف وروابط خارجية، وتستطيع أن تُفرق هل المحادثة مجرد مشاجرة بين لاعبين، أم محاولة تعارف واستدراج مشبوهة.

ورغم التطور الكبير، يؤكد عماد أن تطبيق هذه الأنظمة بشكل شامل يظل مرتبطًا بميزانية الشركات، ما يجعل بعض الألعاب أقل التزامًا بمعايير الأمان، وسيستغرق الأمر مسألة وقت وميزانية من أجل وصول هذه التقنيات لجميع الألعاب.

نمط متكرر للاستدراج

وبحسب مطور الألعاب، يبدأ الاستدراج غالبًا داخل ما يُعرف بـ”الألعاب الاجتماعية”، التي تعتمد على التفاعل أكثر من التحدي.

ويحذر من سوء فهم تصنيفات العمر، موضحًا أن تصنيف اللعبة “+3” يعني أنها آمنة ولا تحتوي علي عنف فيما يخص الجانب التقني والجرافيكس، لكنه لا يعني بالضرورة أمان التفاعل البشري داخلها.

ويوضح أن المستدرِج عادة ما يتحرك وفق خطوات معروفة وواضحة تتمثل في:

• بناء الثقة عبر المساعدة أو تقديم هدايا داخل اللعبة، حتى يجعل الطفل يشعر أنه مدين له بالفضل.

• جس النبض من خلال مزاح أو إيحاءات خفيفة، غالبًا عبر الصوت لأنه أكثر تأثيرًا، ومن أجل اختبار رد فعل الطفل.

• عزل الضحية “العلامة الأخطر”، وذلك بطلب الانتقال إلى منصات خارج اللعبة مثل واتس آب أو ديسكورد أو سناب شات، من أجل تواصل أطول لأن التواصل داخل اللعبة محكوم بوقت، إلا إذا تم إضافته كصديق مثلما يحدث في وسائل التواصل.

• التحكم النفسي عبر استغلال الفراغ العاطفي والاحتياج النفسي لدى الطفل.

وتبدأ علامات القلق بالظهور على الطفل، مثل العزلة، وطول فترات اللعب، واستخدام السماعات باستمرار بعيدًا عن الأسرة، وهو ما يحتاج إلي تدخل ومراقبة من الاهل.

الرقابة الأبوية أمان ناقص

ورغم أهمية أدوات الرقابة الأبوية في مساعدة الأسر على متابعة نشاط أبنائها، إذ تمكن الأهل من إغلاق الدردشة النصية أو الصوتية، أو قصرها على الأصدقاء فقط، وتحديد وقت اللعب اليومي، إضافة إلى منع عمليات الشراء داخل اللعبة دون إذن مسبق.

لكن يؤكد بيير عماد أنها لا تكفي وحدها، فالمستدرجون أذكى من الفلاتر، والأطفال غالبًا أقدر على التحايل على القيود التقنية، ويشدد على أن الأمان الحقيقي يبدأ من الحوار المفتوح بين الأهل وأطفالهم، وبناء الثقة التي تمكن الطفل من الإبلاغ دون خوف.
الوعي قبل المنع.

ويؤكد بيير عماد أن الألعاب ليست الخطر في حد ذاتها، بل هي وسيلة تواصل كغيرها، فالطفل القابل للاستدراج قد يتعرض للخطر عبر أي منصة أخرى، إن وُجد فراغ نفسي أو عاطفي لم يتم الانتباه إليه.

ويحذر من أن هذا الفراغ، إن لم يُملأ بالاحتواء والدعم الأسري، قد يملؤه آخرون بنوايا سيئة، ويضيف أن الحل لا يكمن في المنع، بل في الوعي، لأن الألعاب إذا تم استخدامها بشكل آمن، تفتح آفاقًا للإبداع والتعلم، بل وقد تصنع مستقبلاً مهنيًا، كما حدث معه شخصيًا.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً