جيل يتحدث إلى الآلة.. كيف غيّر الذكاء الاصطناعي مفهوم الدعم النفسي لدى المراهقين؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!





سلمى محمد مراد



نشر في:
الجمعة 7 نوفمبر 2025 – 11:23 م
| آخر تحديث:
الجمعة 7 نوفمبر 2025 – 11:23 م

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تعليمية أو وسيلة مساعدة لإنجاز المهام، بل بدأ يتسلل إلى تفاصيل حياتنا تدريجيًا حتى وصل إلى محيط الأسرة، ليتحول من مجرد وسيلة رقمية إلى “الصديق الأقرب” الذي نستشيره ونحصل منه على نصائح، بل وحتى معالج نفسي إذا تطلب الأمر.

المراهقون يرغبون في جعل الصداقة رقمية

بحسب استطلاع أجرته مؤخرًا مؤسسة Male Allies UK في عدد من المدارس البريطانية، فإن أكثر من ثلث المراهقين يفكرون في إقامة علاقات صداقة مع روبوتات الذكاء الاصطناعي، فيما أكد 53٪ منهم أنهم يجدون العالم الافتراضي أكثر فائدة من الواقعي.

ويُرجع الباحثون ذلك إلى قدرة هذه التطبيقات على التفاعل الفوري وتقديم ردود شخصية مخصصة لكل مستخدم، مما يجعلها تبدو أكثر تفهمًا من الأشخاص الحقيقيين.

من العزلة إلى فقدان التوازن العاطفي

واحدة من أشهر شركات الذكاء الاصطناعي، وهي Character.AI، قامت مؤخرًا بحظر المراهقين من استخدام المحادثات المفتوحة بعد وقوع سلسلة من الحوادث المأساوية، أبرزها انتحار مراهق في الولايات المتحدة بعد ارتباطه العاطفي بروبوت محادثة.

هذا القرب الرقمي المقلق أصبح محل قلق واسع، خاصة بعد التقارير التي رصدت مراهقين يقضون ساعات طويلة في التحدث إلى روبوتات الدردشة، فيما لاحظت بعض الأسر تغيرًا في شخصية أبنائها بعد انغماسهم في هذه التجربة.

وبناءً على ذلك، ناقشت “الشروق” الظاهرة مع مجموعة من الخبراء في الطب النفسي والاجتماع والتربية لتحليلها وتقديم الحلول الممكنة.

الاعتماد المفرط على الآلة يخلق عزلة وهوية رقمية زائفة

قالت الدكتورة منى حديدي، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب – جامعة حلوان، في تصريحات خاصة لـ”الشروق”، إن التفاعل المستمر بين المراهقين وروبوتات الذكاء الاصطناعي يمثل تحولًا في البنية الاجتماعية والثقافية للعلاقات الإنسانية، مشيرة إلى أن الدراسات الحديثة أظهرت أن أكثر من 72% من المراهقين يتفاعلون بانتظام مع تلك الروبوتات.

وأضافت أن هذا التفاعل يحمل مخاطر تتعلق بالعزلة واضطراب الهوية وتراجع المهارات الاجتماعية، حيث يجد بعض المراهقين في روبوتات الدردشة الذكية ملاذًا آمنًا للتعبير عن مشاعرهم دون خوف من الرفض أو الحكم، مما يمنحهم شعورًا زائفًا بالأمان العاطفي.

وأشارت إلى أن التفاعل المفرط مع الروبوتات قد يؤدي إلى انسحاب المراهق من الحياة الواقعية، قائلة: “حين يكون الآخر روبوتًا، تتراجع قدرة المراهق على فهم السياق الاجتماعي، ويضعف لديه الحوار والتفاوض، ويبدأ في بناء هوية رقمية منفصلة عن الواقع”.

وأكدت أن الحل يكمن في إعادة التفكير في دور التكنولوجيا في التنشئة الاجتماعية، وتوفير بيئة حوارية مفتوحة، وتشجيع الأنشطة الواقعية مثل الرياضة والفنون لتعزيز الانتماء الإنساني.

المراهق يخلط بين الواقع والخيال

من جانبها، أوضحت الدكتورة هالة حماد، استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين، أن المراهقين الذين يقضون ساعات طويلة على الإنترنت أصبحوا يستبدلون التواصل الإنساني بالذكاء الاصطناعي، معتبرين روبوتات المحادثة أصدقاء أوفياء يناقشون معهم مشاعرهم ومشكلاتهم.

وحذّرت حماد من أن الذكاء الاصطناعي يجامل المستخدم ويمنحه ما يريد سماعه، مما يخلق واقعًا زائفًا، مشيرة إلى أنها واجهت حالات فعلية لمراهقين فقدوا توازنهم النفسي بسبب هذه التطبيقات.

وأضافت أنها قابلت العديد من الحالات التي بدأت في الاعتماد العاطفي على الذكاء الاصطناعي، من بينها سيدة أخبرتها أنها تعتبره صديقها المفضل، مضيفة: “فما بالنا بالأطفال والمراهقين الذين يسهل التأثير على شخصياتهم وأفكارهم؟!”

وتابعت أن الخطر الأكبر يكمن في أن المراهق قد يخلط بين الواقع والخيال، فيظن أن الذكاء الاصطناعي صديق حقيقي، فينعزل عن أسرته ويتوتر عند منعه من استخدامه.

التربية والاحتواء.. سلاح الأسرة الأول

أما الخبيرة التربوية داليا الحزاوي، مؤسسة ائتلاف أولياء أمور مصر، فقالت إن التعلق العاطفي بالمحادثات الذكية ظاهرة تستحق المعالجة الهادئة لا المنع القسري، لأن المنع بالإجبار غالبًا ما يؤدي إلى نتائج عكسية.

وأوضحت أن بعض الأبناء يلجؤون إلى الذكاء الاصطناعي بحثًا عن التفاهم والاحتواء المفقود داخل الأسرة، مشيرة إلى أن بعض الآباء يلبّون احتياجات أبنائهم المادية فقط ويهملون التواصل العاطفي.

وأضافت أن علامات التعلق بالذكاء الاصطناعي تشمل الانعزال الاجتماعي، والتحدث عن الروبوت كأنه شخص حقيقي، والاعتماد عليه في اتخاذ القرارات.

ودعت الحزاوي إلى ضرورة حضور الآباء في حياة أبنائهم وتخصيص وقت للحوار والتوعية الرقمية، مؤكدة أن الذكاء الاصطناعي أداة مفيدة إذا استُخدمت بإيجابية، لكنها قد تصبح خطرًا إذا حلت محل العلاقات الإنسانية.

هل يربّي الذكاء الاصطناعي جيلًا وحيدًا؟

ويتفق الخبراء على أن “الصديق الآلي” يعيد تشكيل مفهوم العلاقات والدعم النفسي لدى الجيل الجديد، وأن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تطور تقني، بل أصبح تحديًا إنسانيًا وتربويًا واجتماعيًا.

ويؤكدون أن حماية المراهقين لا تكون بالمنع، بل بتعزيز الوعي والحوار والعلاقات الحقيقية التي تُعيد التوازن بين العالم الرقمي والإنساني.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً