تطبيقات الاحتيال الإلكتروني.. لماذا تنجح في الإيقاع بالمصريين رغم التحذيرات المتكررة؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!





سوزان سعيد



نشر في:
الثلاثاء 22 يوليه 2025 – 5:52 م
| آخر تحديث:
الثلاثاء 22 يوليه 2025 – 5:52 م

لا تُعد فكرة الاحتيال على المواطنين للحصول على ثرواتهم جديدة، فقد عرفها المجتمع المصري منذ ظهور شركات توظيف الأموال في الثمانينيات، تلاها ظهور “المستريح” في عدة محافظات، حتى وصلت إلى تطبيقات النصب الإلكتروني التي تعد المستخدمين بربح سريع وكبير مقابل أداء مهام بسيطة للغاية.

تتبع هذه المنصات نفس النهج، حيث تجتذب الضحايا من خلال إعلانات مدفوعة على وسائل التواصل الاجتماعي، تستعين فيها بمشاهير المؤثرين، ثم تنظم احتفالات كبيرة في أفخم الفنادق لطمأنة المستخدمين بوجود كيان حقيقي لاستثمار أموالهم وتشجيعهم على ضخ المزيد، قبل أن تختفي وتغلق المنصة بعد الاستيلاء على مئات الملايين من أموال المواطنين. وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من وزارة الداخلية بشأن مخاطر التعامل مع هذه المنصات، تنجح كل منصة جديدة في الاحتيال على ضحايا جدد.

لذا يرصد هذا التقرير أسباب انتشار هذه الظاهرة في المجتمع المصري، ولماذا تتكرر الحوادث، وما سبل مواجهتها، بالرجوع إلى بيانات وزارة الداخلية عبر صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك خلال السنوات العشر الماضية من 2015 حتى 2025، والاستعانة بآراء الخبراء.

9 تطبيقات إلكترونية في 3 سنوات

لم يرصد التقرير أي منصات احتيال إلكتروني خلال الفترة من 2015 إلى 2021، حيث اقتصرت عمليات النصب على سرقة الحسابات البنكية أو أرقام البطاقات الائتمانية عبر الهاتف.

بدأت هذه التطبيقات فعليًا في مصر عام 2022، حيث رصد التقرير 9 تطبيقات نصب إلكتروني في الفترة من 2022 وحتى منتصف يوليو 2025.

عدد التطبيقات في كل سنة في الفترة من 2022 – 2025

أرباح المنصات تقارب تكلفة 10 مشاريع متوسطة

عرف قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر رقم 152 لسنة 2020 المشروع المتوسط بأنه كل مشروع يبلغ حجم أعماله السنوي 50 مليون جنيه ولا يتجاوز 200 مليون جنيه.

وبحساب إجمالي الأرباح التي حصدتها المنصات التسع خلال الفترة من 2022 حتى 2025، وُجد أنها تجاوزت 500 مليون جنيه، أي ما يعادل الحد الأدنى لتكلفة 10 مشروعات متوسطة.

إجمالي المبالغ المنهوبة كل عام وفقًا لبيانات وزارة الداخلية

خطر على الاقتصاد الوطني

من جانبها، لفتت الدكتورة هدى الملاح، مدير عام المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى الاقتصادية، في تصريح لـ”الشروق”، إلى خطورة هذه المنصات على الاقتصاد الوطني، حيث تُوجّه هذه الأموال بدلًا من استثمارها في مشروعات صغيرة تُحد من الاستيراد وتوفر العملة الصعبة، إلى خارج البلاد، ما يؤدي إلى تراجع معدلات الإنتاج وخفض معدلات النمو والتنمية.

الترويج بطريقة “Word of Mouth”

وأشارت إلى أن هذه التطبيقات تروّج لنفسها بأسلوب احتيالي من خلال ضخ أرباح فعلية في حسابات بعض المستخدمين، ثم دعوتهم للترويج للمنصة واجتذاب المزيد من الضحايا. وأضافت أن هذه الطريقة نجحت في كسب ثقة العملاء، مما دفع البعض إلى الاقتراض من البنوك لاستثمار أموالهم في هذه التطبيقات.

ستار لغسيل الأموال

وأضافت أن هذه التطبيقات قد تكون غطاءً لعمليات غسيل أموال، موضحة أن الأرباح الكبيرة قد يكون مصدرها تجارة غير مشروعة مثل السلاح أو المخدرات، مما يضع المستخدمين تحت طائلة القانون.

وأوضحت أن الحصول على مبالغ كبيرة في وقت قصير هو “أكذوبة” تروج لها هذه المنصات لجذب الضحايا، مؤكدة أن الاستثمار الحقيقي يتطلب السعي والصبر وبذل الجهد للحصول على مكاسب حقيقية وآمنة.

تطبيقات مجهولة الهوية

وذكرت أن التطبيقات التي تعد المستخدمين بالثراء السريع مقابل أعمال لا تتطلب جهدًا، تكسب من الأموال التي يضخها العملاء وليس من استثمار حقيقي. وأضافت أن هذه المنصات مجهولة الهوية، لا يُعرف من يملكها أو الجهة التابعة لها، سواء كانت حكومات أو كيانات خاصة.

وأضافت أن السبب الرئيسي في انتشار هذه التطبيقات هو خداع المستخدمين بأنها معتمدة من الحكومة، مؤكدة أهمية التحري عن تراخيصها والدولة التي تتبع لها، ليعرف المستخدم إلى من يلجأ حال تعرضه للاحتيال.

مقاطع الفيديو والمراهنات تحصد أكبر الأرباح

تنوعت الأهداف المعلنة من هذه المنصات بين المراهنات العكسية على نتائج المباريات أو تعدين العملات الرقمية أو التداول بنظام الفوركس، بالإضافة إلى التجارة الإلكترونية، ولكن كانت المنصات التي تطلب من المستخدمين مشاهدة مقاطع الفيديو هي الأكثر انتشارًا في مصر خلال الفترة من 2022 إلى 2025، تلتها تطبيقات المراهنات الرياضية.

أنواع التطبيقات الأكثر انتشارًا في مصر 2022 – 2025

استولت منصة SGO الخاصة بالمراهنات العكسية على 500 مليون جنيه، متفوقة على التطبيقات الثمانية الأخرى، تلتها تطبيقات White Sands وFBC وVSA، والتي لا يتطلب الربح منها سوى مشاهدة مقاطع فيديو على يوتيوب ومشاركتها عبر مواقع التواصل، وقد تجاوزت المبالغ التي سرقتها من المستخدمين 40 مليون جنيه.

المبالغ المنهوبة من كل تطبيق وفقًا لبيانات وزارة الداخلية

ما يثير تساؤلًا حول سبب إقبال المصريين على تطبيقات الربح السريع التي لا تتطلب مجهودًا أو تقدم مهام ترفيهية بالأساس.

الأمية والثقافة السائدة

من جانبها، قالت الدكتورة سامية خضر صالح، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، لـ”الشروق”، إن الثقافة السائدة بين معظم المصريين الآن تميل إلى الراحة والحصول على المكسب بأقل جهد، مضيفة أن مصر لا تزال تعاني من نسبة كبيرة من الأمية، ما يجعل بعض المواطنين ينساقون خلف هذه التطبيقات.

التربية

وشددت على أهمية تربية الأبناء على قيم الاعتماد على النفس والكفاح والصبر ومساعدة الآخرين، موضحة أن غرس هذه القيم في الطفولة يسهل ترسيخها واستدامتها، ما يسهم في تكوين شخصيات ناضجة وواعية.

فراغ إعلامي ملأه المؤثرون

وأعربت عن أسفها لغياب دور الإعلام في توعية المواطنين بمخاطر هذه التطبيقات، قائلة إن الإعلام المصري كان رائدًا في المنطقة، وقدم أعمالًا هادفة أثرت في وجدان المصريين والعرب، كما أدى دورًا توعويًا مهمًا عبر حملات إعلامية صحية وأسرية ناجحة.

وعن ترويج مؤثري السوشيال ميديا لهذه التطبيقات، شددت على ضرورة أن توظف وسائل الإعلام أساليب مبتكرة للوصول إلى فئات المجتمع المختلفة، في النوادي والمدارس والجامعات، ومن خلال كل البرامج.

وأشارت إلى أن الفراغ الإعلامي ملأه مؤثرون يبثون أحيانًا محتوى مخالفًا للقيم المجتمعية، داعية الدولة إلى استقطاب المؤثرين أصحاب المحتوى الهادف لتقديم رسائلها والوصول إلى قطاعات واسعة من الجمهور.

وفي السياق ذاته، شدد المحامي حسين يوسف، في تصريح لـ”الشروق”، على أهمية فرض رقابة على المؤثرين من خلال المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للإعلام، خاصة عند تجاوز متابعيهم عددًا معينًا، على أن يتم مراجعة المحتوى قبل أو بعد النشر.

التنافسية

أوضحت خضر أن المرحلة الحالية تتسم بتنافسية شديدة تدفع كثيرين إلى امتلاك أشياء مادية قد لا يحتاجونها فعليًا، فقط من أجل التفاخر أمام الآخرين، مما يشكل ضغطًا يدفعهم نحو هذه المنصات طمعًا في الربح السريع.

صعوبة استرداد المبالغ

وأشار يوسف إلى أن القائمين على منصات الاحتيال الإلكتروني يتعمدون تهريب أموال العملاء وتحويلها إلى عملات مشفرة غير خاضعة للرقابة، ما يصعب تتبعها واستردادها، موضحًا أن ذلك يتطلب تنسيقًا بين جهات التحقيق المحلية والدولية، حيث يمكن القبض على المتهمين الهاربين للدول الموقعة على اتفاقيات الإنتربول، أما الأموال المهربة والمشفرة فيقع اختصاص استردادها تحت سلطة النائب العام ويتطلب إجراءات معقدة.

وأضاف أن صعوبة استرداد أموال العملاء تظهر في الدول التي لا تجرم أنشطة هذه المنصات، أو التي لا تملك اتفاقيات إنتربول مع مصر.

صعوبة تتبع الأموال

وعن صعوبة تتبع الأموال المنهوبة، أوضح أن العملات الرقمية محظورة كوسيلة دفع في مصر، لعدم وجود رصيد ائتماني لها مثل الدولار، مضيفًا أن وسائل الدفع لهذه المنصات تعتمد على المحافظ الإلكترونية وليس البنوك، مما يصعب تتبع الأموال حال خروجها من البلاد.

صعوبة تتبع الجرائم

وقال إن السبب في قلة البلاغات عن الجرائم الإلكترونية عامة والنصب الإلكتروني خاصة، هو صعوبة تتبع هذا النوع من الجرائم مقارنة بالجرائم الواقعية، لأنها ترتبط بالهاتف المحمول الذي يحمل طابعًا شخصيًا ويصعب مراقبته.

اختراق البيانات الشخصية والمالية

وأشار محمد لطفي، رئيس شعبة صحفيي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنقابة الصحفيين، لـ”الشروق”، إلى أن مخاطر استخدام تطبيقات الاحتيال الإلكتروني تشمل تسريب البيانات الشخصية مثل الاسم والعمر والمسمى الوظيفي وكلمات المرور، محذرًا من مشاركة بيانات البطاقات الائتمانية داخل التطبيقات.

حلول تكنولوجية: تفعيل قانون حماية البيانات

ولفت إلى ضرورة تفعيل قانون حماية البيانات الشخصية، متسائلًا: لماذا لم تصدر لائحته التنفيذية حتى الآن، رغم تصديق الرئيس عليه في 18 يوليو 2020؟

التحقق من المنصة

وشدد على أهمية التحقق من مصداقية المنصة والتأكد من حصولها على التراخيص من جهات تنظيمية رسمية مثل البنوك المركزية أو الهيئات المالية للدول التي تصدر منها، وقراءة تقييمات المستخدمين.

خط ساخن لتلقي البلاغات

أوضح يوسف أن محدودية البلاغات تعود لصعوبة الإجراءات، إذ يتطلب الإبلاغ تحرير محضر في نيابة الشؤون المالية والإدارية أو النيابة العامة التي تحيله للمحكمة الاقتصادية، مقترحًا تخصيص خط ساخن تابع لوحدة مباحث خاصة لتسهيل الإبلاغ عن هذه الجرائم.

حظر التطبيقات غير المرخصة

وشدد على أهمية إصدار البنك المركزي قرارًا بحظر التطبيقات غير المرخصة، باعتباره الجهة المصرفية الأعلى بالدولة، مع تفعيل الرقابة على متاجر التطبيقات مثل Play Store وApp Store، باستخدام تقنيات مثل الـ Firewall وأدوات الذكاء الاصطناعي.

حلول اقتصادية: تعزيز الثقة في مؤسسات الدولة

ولفت إلى أهمية تعزيز الثقة في المؤسسات المالية الحكومية، موضحًا أن التطبيقات تجذب الشباب من خلال العائد المرتفع، رغم وجود بدائل استثمارية في البنوك تحقق عوائد مماثلة لا تحظى بدعاية كافية.

آفاق أوسع للاستثمار

وأوضح أن مجالات الاستثمار في مصر لا تزال محدودة وتقتصر على مجالات استهلاكية غير مستدامة كالأغذية والملابس، مشيرًا إلى أهمية التوسع في مشاريع إنتاجية ذات أصول حقيقية.

المشاركة بأسهم في مشروعات الدولة

وأضاف أن سياسة البنوك الحالية توفر السيولة للعملاء من خلال القروض بضمان الودائع وليس الأصول، مشيرًا إلى إمكانية مشاركة المواطنين بأسهم في مشاريع الدولة، كما كان الحال في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث يتم شراء الأسهم والربح من ارتفاع قيمتها أو الحصول على عائد نصف سنوي.

ودعا إلى تشجيع المشاركة المجتمعية في المشروعات الصغيرة من خلال طرح أسهم مخصصة لفئات مختلفة، مثل النقابات والنوادي، في مجالات متعددة كالصناعة والزراعة والخدمات.

صناديق منخفضة ومتوسطة وعالية المخاطر

وأضاف أن جميع البنوك تتيح بدائل استثمارية آمنة من خلال صناديق استثمارية بدرجات خطورة متفاوتة (منخفضة – متوسطة – عالية)، موضحًا أن الصناديق الأعلى خطورة تحقق أرباحًا أعلى والعكس صحيح.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً