بين البرمجة والألعاب.. كيف نحول وقت الشاشة إلى فرصة تعليمية؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!




رنا عادل وسلمى محمد مراد


نشر في:
الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 – 11:07 ص
| آخر تحديث:
الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 – 11:07 ص

مع انتشار الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، أصبح من الطبيعي أن يقضي الأطفال ساعات طويلة أمام الشاشات، وأصبح بعضهم يتقن التعامل معها قبل أن ينطق كلماته الأولى، مما يثير التساؤل حول هل هذا الوقت ضائع؟ أم يمكن تحويله إلى فرصة تعليمية؟، وكيف يمكننا تحويل هذا الوقت إلى فرصة تعليمية مفيدة بدلًا من أن يصبح خطرًا على نموهم؟

 

-البرمجة المفتاح لعالم المستقبل

ونسترشد بالطفل يوسف، في العاشرة من عمره كمثال، وهو الطالب المثالي على مستوى محافظة المنوفية العام الماضي، قبل تعلم البرمجة، كان يقضي معظم وقته أمام ألعاب الفيديو والفيديوهات القصيرة على الإنترنت، يشكو والديه من الملل، ولم يكن يكتسب أي مهارات مفيدة.

لكن اليوم تغيرت الأمور، حيث تقول والدته، أستاذة زينب غربية، إن تعليم يوسف البرمجة غير حياته، إذ صار يقضي وقته في تعلم مهارات جديدة، ينجز مهامه بنفسه، ويستمتع بما يقوم به، ورغم أن الألعاب لم تختفِ، لكنها أصبحت جزءًا محدودًا من يومه.

وتضيف أنها لاحظت أن البرمجة لا تهيئ الأطفال فقط لوظائف المستقبل، بل تعلمهم التفكير المنطقي وحل المشكلات، وتقسيم الأمور الكبيرة إلى خطوات صغيرة، كما تساعدهم على العمل الجماعي عند تطوير مشاريع مشتركة.

وتؤكد الدراسات ذلك، حيث يرى 89% من الآباء أن تعليم علوم الكمبيوتر يطور لدى أطفالهم مهارات صعبة وناعمة، ولاحظ 90% تحسن التفكير النقدي والإبداعي، بالإضافة إلى ارتفاع الأداء الأكاديمي في الرياضيات والقراءة والكتابة.

 

تحذيرات هامة من المخاطر الصحية والنفسية

برغم فوائد التعليم الرقمي، لكن يحذر الخبراء من الاستخدام المفرط للشاشات، ويقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أنه خلال مؤتمر الطب النفسي بأكسفورد، وُصف عام 2024 بأنه “عام التعفن الدماغي” للأطفال والمراهقين بسبب الإفراط في استخدام الإنترنت ووسائل التواصل.

وأوضح أن التعرض الطويل للشاشات يؤثر على الخلايا العصبية المخية، ويؤدي إلى: ضعف التركيز والانتباه، اضطرابات النوم والأكل، مشاكل في العصب البصري وفرط الحركة، تقليد الوظائف المعرفية الطبيعية، مثل التذكر والتتبع، مما يؤدي إلى صعوبة التركيز والانتباه المستمر.

وأضاف: “الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات هم أكثر عرضة لمشاكل اجتماعية وعاطفية، مثل القلق والاكتئاب، بينما قد يستخدمون الأجهزة كوسيلة للتكيف مع ضغوطهم، لذلك، التنظيم والرقابة على وقت الشاشة أصبحا ضرورة”.

 

الألعاب الإلكترونية بين التسلية والتحدي

على الجانب الآخر لا تعتبر كل الألعاب ضارة، لكنها تحتاج إلى توجيه بحسب ما قالته الدكتورة منى حسن، والدة الأطفال عمر وسيلا وجويرية سالمان: “الألعاب تجذب الأطفال بشكل كبير، وإذا لم يتم توجيههم، يقضون وقتًا طويلًا بدون فائدة، لذلك لجأت إلى تعليم أطفالها البرمجة، ليكون وقت الشاشة له هدف واضح”.

لكنها ترى أن التحدي يكمن في تمييز الوقت المفيد عن الوقت الضائع، وأن استخدام الشاشات للألعاب التعليمية أو المشاريع التفاعلية يحقق فوائد، بينما الجلوس لساعات أمام الفيديوهات القصيرة أو الألعاب العشوائية قد يزيد من القلق والعدوانية وقلة التركيز.

 

تنظيم الوقت هو السر في النجاح

ويؤكد فرويز أنه من أجل الحفاظ على توازن صحي بين التعلم والراحة لا يسمح للأطفال دون سنتين بالجلوس أمام الشاشات، موضحا أن الأطفال من عمر 2 إلى 5 سنوات يسمح لهم بساعة واحدة أو أقل يوميًا.

كما أن الأطفال من عمر 8 إلى 10 سنوات يتم السماح لهم 6 ساعات يوميًا، مع مراعاة الأنشطة البدنية، ومن 11 إلى 14 سنة تزداد لتصل 9 ساعات، أما من 15 إلى 18 سنة فتكون المدة المسموحة 7 ساعات ونصف.

لكن يؤكد أن الأهم من العدد هو نوعية الاستخدام، مع أخذ فترات راحة للعين والجسم، ومزج التعلم الرقمي بالأنشطة البدنية والاجتماعية والهوايات.

 

البرمجة كأسلوب حياة

أما إيمان محمد، تحكي عن ابنها، وتقول: “ابني سعيد جدًا عندما ينجز مهام البرمجة، وقبل البدء بالكورسات، كان يقضي ساعات طويلة على الهاتف بدون هدف، لكنه الآن يتحمس للجلوس أمام الكمبيوتر لأنه يريد تحقيق أهدافه، فحتى نومه أصبح أفضل لأنه يحضر الجلسات التعليمية برغبته”.

وتؤكد أيضًا أن وقت الشاشة يمكن أن يصبح مثمرًا إذا تم توجيهه بشكل صحيح، موضحة أن الاستعانة بتعليم الأطفال البرمجة إلى جانب المهارات الأخرى الممكنة تمنحهم شعورًا بالإنجاز، وتعلمهم الصبر، وتنمي مهارات التفكير الإبداعي والمنطقي، مع تعزيز الثقة بالنفس.

 

دور الأسرة والمدرسة

وتقول داليا الحزاوي، الخبيرة الأسرية، إن تنمية قدرات الأطفال تبدأ من الأسرة، من خلال: توفير بيئة داعمة، وتشجيع تعلم البرمجة والذكاء الاصطناعي، ووضع قوانين واضحة لاستخدام الشاشات، كل هذا يهيئ الأطفال لمستقبل رقمي ناجح.

كما تؤكد أهمية دمج الأنشطة البدنية والهوايات مع التعلم الرقمي، وضرورة نشر الوعي الرقمي حول مخاطر الإنترنت مثل التنمر والقرصنة.

كذلك استغلال الإجازات الصيفية لتعلم مهارات جديدة عبر برامج منظمة، وتجهيز المدارس بمعلمين متخصصين ومعامل كمبيوتر مجهزة، مثلما يحدث في الإمارات والصين، وبالتالي لا تعتبر التكنولوجيا بشاشاتها عدوا، بل الطريقة التي نوجه بها أطفالنا هي الأهم.

فمن خلال تنظيم وقت الشاشة، وتحويله إلى أنشطة تعليمية، ودمجه بالأنشطة البدنية والاجتماعية، يمكننا تحويل وقت الشاشة من خطر محتمل إلى فرصة ذهبية لتنمية مهارات الأطفال، وتعزيز التفكير الإبداعي والقدرات العقلية، وبناء أساس متين لمستقبلهم الرقمي.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً