الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين.. قراءة نقدية لكتاب «الأعمال المستدامة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي» لمحمود محيي الدين ومحمد زهران

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!





منى غنيم



نشر في:
الأربعاء 3 سبتمبر 2025 – 9:58 ص
| آخر تحديث:
الأربعاء 3 سبتمبر 2025 – 9:58 ص

– الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية محايدة.. بل قوة اجتماعية واقتصادية وسياسية ناشئة تحتاج إلى توجيه واعٍ وحوكمة رشيدة

– دار نشر الكتاب: الكتاب دعوة إلى التعمق في استكشاف العلاقة المتشابكة بين الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة.. ومرجع للباحثين وأصحاب الأعمال ولكل قارئ يسعى وراء مستقبل أكثر تمسكًا بالعدالة والقيم في عصر الذكاء الاصطناعي

صدر حديثًا عن دار نشر “سبرينجر انترناشيونال” – وهي إحدى دور النشر الأكاديمية العالمية الكبرى المتخصصة في العلوم والتكنولوجيا – كتاب «الأعمال المستدامة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي» الذي يخوض في واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في عالمنا المعاصر وإثارة للجدل؛ ألا وهي: كيف يمكن للتكنولوجيا أن تكون حليفًا للتنمية من دون أن تتحول إلى مصدر مباشر لمجموعة من المخاطر الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية التي يصعب احتواؤها؟

وعبر صفحات الكتاب الجديد الصادر باللغة الإنجليزية، حاول مؤلفو الكتاب؛ وهم: وزير الاستثمار المصري السابق وأستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة التنمية المستدامة لعام 2030، الدكتور محمود محيي الدين، وأستاذة الاستدامة المؤسسية بجامعة إفيت في كولومبيا، ماريا أليخاندرا جونزاليس بيريز، وأستاذ علوم الحاسب بجامعة نيويورك المتخصص في الذكاء الاصطناعي، الدكتور محمد زهران، الإجابة عن ذلك السؤال من خلال تقديم عمل جماعي ثري يجمع بين التنظير والتحليل التطبيقي، ويضع بين أيدينا رؤية بانورامية لعلاقة الذكاء الاصطناعي بمسارات التنمية المستدامة عالميًا.

وتناول الكتاب التفاعل المعقد بين الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة التي تقودها الشركات رأسًا؛ حيث جمع بين الرؤى النظرية والتطبيقات العملية، وخاض في نقاشات حول الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في إطار التنمية المستدامة والمسؤولية المؤسسية، مع توضيح الكيفية التي يسهم بها الذكاء الاصطناعي في دعم الممارسات المستدامة؛ لاسيما لغير المتخصصين.

وطرح الكتاب في الوقت نفسه إشكالات معقدة؛ خاصة فيما يتعلق بتحقيق التوازن بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وقد نقل المؤلفون عبر صفحاته مراجعة شاملة للدراسات الأكاديمية لتعزيز السرد، وحرصوا كل الحرص على تحليل أوجه الاختلاف في تعامل الشركات الراسخة والشركات التي تأسست على مبادئ الاستدامة مع هذه التناقضات.

كما قدم المؤلفون تقييمًا نقديًا للتداخل بين الذكاء الاصطناعي والممارسات المؤسسية من جهة، والجهود الإقليمية الرامية إلى مواجهة التحديات الإنسانية الكبرى – مثل تغيّر المناخ وتفشي الفقر – من جهة أخرى، مشددين على الحاجة إلى استراتيجيات تحويلية، وأنماط حوكمة قادرة على تعزيز المساهمات الإيجابية للشركات في مجال الاستدامة.

ومنذ الفصل الأول للكتاب، وضع المؤلفون إطارًا شاملًا لفهم الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في الأبعاد الثلاثة للتنمية: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وبرغم توافر الفرص العظيمة للذكاء الاصطناعي في دعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة، إلا أن المؤلفين لم يغفلوا كذلك عن ذكر التحديات المرتبطة بالفجوات الرقمية وتعقيدات الحوكمة والجوانب الأخلاقية، وقد مهد هذا الفصل لرحلة فكرية تنقّل فيها القارئ بين الآمال الكبيرة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي والمخاطر الناجمة عنه والتي لا تقل جسامة.

وكشف الفصل الثاني عن الطبيعة المزدوجة للتقنية؛ فهي تحمل إمكانات هائلة في مواجهة التحديات المجتمعية، لكنها في الوقت نفسه تهدد بتعميق الانقسامات بين البشر، وإنتاج أشكال جديدة من المخاطر، وقد ناقش هذا الفصل أبرز تلك القضايا؛ مثل التحيز الخوارزمي (وهو انحراف يظهر في نتائج النماذج الحاسوبية بسبب طريقة تصميم الخوارزمية أو البيانات التي دُرَّبت عليها)، وانتهاك الخصوصية، وعدم المساواة في الوصول إلى التكنولوجيا، ودعمها بأمثلة من تجارب دول مختلفة، للتأكيد على فكرة أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين.

أما الفصل الثالث فتنقل من الإطار النظري إلى الأدلة الملموسة، عبر دراسات حالة متنوعة كشفت كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تطبيقات عملية لتحقيق نتائج بيئية واقتصادية واجتماعية ملموسة، ومنح التحليل المقارن لهذه التجارب القارئ رؤية أوضح لعوامل النجاح والدروس المستفادة، وهو ما يعكس الطابع التطبيقي الواضح للكتاب.

وفي الفصل الرابع، ناقش المؤلفون فرص الاستثمار في الذكاء الاصطناعي مستعرضين وجهات النظر التجارية، حيث طرحوا سؤالًا بالغ الأهمية؛ ألا وهو: لماذا ينبغي للشركات أن تستثمر في الذكاء الاصطناعي الموجّه نحو الاستدامة؟

وتطرق المؤلفون في هذا الفصل للحديث عن التفسيرات الاقتصادية البحتة في هذا الصدد؛ مثل خفض التكاليف، و إدارة المخاطر، و فتح آفاق جديدة للإيرادات، وتحقيق ميزة تنافسية في الأسواق، كما سلط الكتاب الضوء – من خلال أمثلة واقعية – على شركات من قطاعات مختلفة استطاعت التوفيق بين الربحية والأهداف البيئية والاجتماعية.
ودار الفصل الخامس عن مفهوم الحوكمة؛ حيث تعمق في البنية التنظيمية المطلوبة لإدارة الذكاء الاصطناعي بصورة أخلاقية ومسئولة، وناقش الاتجاهات العالمية في هذا المجال، ودور التعاون الدولي، مع إبراز ضرورة أن تتحمل الشركات مسؤولية واضحة في ضمان ألا يزيد استخدام الذكاء الاصطناعي من فرص اللامساواة أو يقوض قيم العدالة.

وأتى الفصل السادس ليضع القارئ أمام التحولات الكبرى في سوق العمل الحالي؛ فعلى سبيل المثال غزت الميكنة – أو عملية التشغيل الآلي التي تُدار بالذكاء الاصطناعي – عالم الأعمال اليوم، وأعادت رسم خريطة المهارات، بل وأثارت المخاوف العديدة لدى البشر بشأن فقدان وظائفهم، إلا أن الكتاب لم يقف عند حدود التحذير، بل اقترح مسارات لإعادة التدريب والتأهيل، مع عرض سياسات من بلدان مختلفة يمكن أن تضمن انتقالًا أكثر إنصافًا نحو اقتصاد معرفي جديد.

وتناول الفصل السابع المدن الذكية كمثال حي لتجسيد طموحات الاستدامة عبر الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر جميع المستويات؛ من إدارة الطاقة والنقل إلى تقليل النفايات وتعزيز القدرة على مواجهة تغير المناخ، وقدم الكتاب أمثلة من عواصم متقدمة وأخرى نامية، ليوضح كيف يمكن أن تصبح التقنية أداة لإعادة تشكيل البيئة الحضرية بما يخدم رفاه الإنسان، وإن لم يخلُ ذلك من تحديات أخلاقية وتنظيمية.

أما قضية حماية التنوع البيولوجي للكائنات الحية، فقد احتلت مساحة واسعة في الفصل الثامن؛ حيث استعرض المؤلفون كيف تُسخّر الخوارزميات الحديثة لرصد الأنواع المهددة من الحيوانات، ومراقبة المواطن الطبيعية، مكافحة الصيد غير المشروع، وحتى دعم المجتمعات المحلية في إدارة مواردها.

ولفت المؤلفون الانتباه أيضًا إلى قضايا حساسة مثل سيادة البيانات، أي أن تظل البيانات خاضعة لقوانين وتشريعات الدولة، واحترام المعارف المحلية للشعوب الأصلية، وضمان عدالة توزيع منافع هذه التطبيقات على الجميع.

وقدم الفصل الأخير رؤية متكاملة لمستقبل الذكاء الاصطناعي في التنمية المستدامة، ناقلًا أبرز التوصيات الاستراتيجية، ومشددًا على الحاجة إلى وضع أطر أخلاقية وتشريعية أكثر صرامة، مع سيناريوهات متعددة لما قد يحمله المستقبل.

وفي الختام، وجب التنويه إلى أن قيمة هذا الكتاب لا تكمن فقط في غزارة مادته العلمية ولا في تنوع دراساته التطبيقية، بل في جرأته على مواجهة المفارقات؛ فهو يذكّر القارئ بأن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية محايدة، بل قوة اجتماعية واقتصادية وسياسية ناشئة تحتاج إلى توجيه واعٍ وحوكمة رشيدة.

كما أن الكتاب الجديد يعد بمثابة دعوة للقراء إلى التعمق في استكشاف العلاقة المتشابكة بين الذكاء الاصطناعي والاستدامة المؤسسية والأهداف البيئية العالمية؛ حيث جمع بين الرؤى الأكاديمية ووجهات النظر المتخصصة، وبهذا أصبح مرجعًا لا غنى عنه ليس فقط للباحثين وصناع القرار ومديري الشركات وأصحاب الأعمال، بل وأيضًا لكل قارئ يسعى لفهم كيف يمكن أن نصوغ مستقبلًا أكثر عدالة واستدامة في عصر الذكاء الاصطناعي.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً