كتبت – منة عصام
نشر في:
السبت 31 مايو 2025 – 10:54 م
| آخر تحديث:
السبت 31 مايو 2025 – 11:00 م
• عدم وجود تشريعات منظمة يثير المخاوف والجدل
• خبراء أمن معلومات: استغلال صور وأصوات المشاهير بدون إذن يضع صاحبها تحت طائلة القانون
مثلما نجحت تطبيقات الذكاء الاصطناعى المختلفة فى حل عدة مشكلات وتسهيل الحياة بشكل كبير وفتح آفاق عديدة أمام المستخدمين للابتكار وصنع فيديوهات بتقنيات عالية، لكنها أيضا أثبتت مع مرور الوقت أن لها وجها آخر سيئا، وأنها سلاح ذو حدين، قد يكون سكينا حادا فى يد البعض لاستخدامه بشكل ضار فى صنع صور وفيديوهات تستخدم لأغراض بعضها يُعاقب عليه القانون وبعضها مشوه، والأفضل حالا منها تلك التى تستخدم لغرض السخرية والضحك عبر منصات التواصل الاجتماعى المختلفة.
من ضمن هذه الاستخدامات، قيام البعض باستخدام صور وفيديوهات لأشخاص مشاهير ونجوم معروفين للترويج لمنتجاتهم عبر تقنيات الذكاء الاصطناعى، مثلما حدث مع الفنانين عادل إمام وعادل أدهم وهما يرتديان الزى الخاص بأحد المطاعم ولم يذكر المحل فى هذا الفيديو الترويجى ما إذا حصل على موافقة من هؤلاء الفنانين أو ورثتهم أم لا.
ولكن ما أثار النقاش حول تطبيقات الذكاء الاصطناعى هو حدود استخدامها والعواقب القانونية التى تقع على من يسىء استخدامها أو يستغلها لمصلحته، مثل ذلك الفيديو الذى ظهر مؤخرا لكوكب الشرق أم كلثوم فى مقطع غنائى لها أثناء وقوفها على خشبة المسرح، وتم إخضاع المقطع لأحد تطبيقات الـ AI وتشغيل جزء من أغنية للمطرب ويجز، وتم وضع عبارة «أم كلثوم ممكن تغنى لويجز عادى جدا»، وهو ما أثار حفيظة ورثة كوكب الشرق والذين هددوا بمقاضاة ويجز إذا تكرر الأمر مجددا.
ومخطئ من يتصور أن المعضلة تقف عند الحدود المصرية أو العربية فقط، فقبل شهرين تقريبا، ظهر فيديو مصنوع بالذكاء الاصطناعى لعدة نجوم فى أمريكا وهم يرتدون ملابس عليها إشارات معاداة للسامية وبدا حقيقيا للغاية، وكان من بينهم المخرج ستيفن سبيلبرج والفنانان مارك رافلو وسكارليت جوهانسون وغيرهما، وهو الأمر الذى أثار حفيظة الأخيرة وأصدرت بيانا صحفيا تجرم فيه هذا الفيديو وأنكرت ظهورها فى الفيديو المماثل والذى وصفته أنه «مفبرك» بالكامل، حيث تم وضع وجهها ووجوه الآخرين على أجساد آخرين بهدف توصيل رسالة كراهية معينة، واعتبرت سكارليت أن الوقت الحالى ينطوى على سوء استخدام واضح لتقنيات الذكاء الاصطناعى ويتم استغلالها بشكل خاطئ، ووصفت نفسها فى بيانها كونها «ضحية عامة»، وطالبت بضرورة سن تشريع عاجل يقنن استخدام هذه التقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعى، ووضع عقوبات لمن يضر بها غيره.
وهذه الوقائع وغيرها تثير تساؤلات عديدة حول توصيف ما حدث بلغة القانون، وما توصيف فاعله لو تمت إقامة دعوى قضائية أمام المحاكم؟ وهل توجد مواد قانونية تجرم الاستخدام غير المحبذ للذكاء الاصطناعى؟
هذا السؤال أجاب عنه فى البداية الدكتور محمد حمزة المحاضر المتخصص فى مكافحة جرائم أمن المعلومات والأمن السيبرانى، قائلا: «لا توجد قوانين تخص الذكاء الاصطناعى على وجه الخصوص، ولكن فى المقابل توجد قوانين فى التشريع المصرى تخص الأمور المتعلقة بالمخرجات التى يتم استخدامها فيه، فمثلا أصبح هناك تقنية تسمى بالتزييف العميق – Deeb fake وهو نوع من الذكاء الاصطناعى يُستخدم لإنشاء صور ومقاطع فيديو وتسجيلات صوتية مزيفة ومقنعة فى ذات الوقت باستخدام صورة أو صوت لشخص ما، وهذا بالطبع ممنوع منعا باتا قانونا لو لم يوجد إذن صريح من صاحب الصورة أو صوته بموافقته على استخدامهما، فالقانون يجرم الاعتداء على بيانات الشخص، وهذا طبقا لقانون رقم 151 لسنة 2020».
وأضاف: «هناك قانون رقم 175 لسنة 2018 ويخص جرائم تقنيات المعلومات، ويمنع بشكل بات نشر أى صورة أو صوت لشخص أو بيانات متعلقة به أو أخباره حتى لو كانت صحيحة دون الرجوع اليه والحصول على إذن منه.
وتابع حمزة: «لا يوجد مطلقا لا فى مصر ولا فى العالم كله أى قانون ينظم حدود الذكاء الاصطناعى، وإن كان للاتحاد الأوروبى السبق فى هذا الأمر، حيث صدرمشروع قانون للذكاء الاصطناعى عام 2021 ثم صدر بالفعل فى نهاية عام 2024، وباكورة هذه القوانين الخاصة بحماية البيانات الشخصية بدأت من لائحة صادرة عن الاتحاد الاوروبى وتحمل اسم GDPR والمعروفة باسم اللائحة الاوروبية لحماية البيانات الشخصية وعلى غرارها اهتدى كثير من المشرعين فى الدول العربية وأصبح لديهم تشريعات قانونية بموجبها يتم حماية البيانات الشخصية، ونأمل أن يهتدى المشرع المصرى لإصدار قوانين خاصة بالذكاء الاصطناعى وتطبيقاته ووضع حدود قانونية لها فى القريب العاجل».
ولفت إلى ضرورة الانتباه لخطورة برامج الذكاء الاصطناعى التى يتم بثها بشكل مجانى وتتضمن استغلال البيانات الشخصية، مضيفًا أن الذكاء الاصطناعى بدأ يتطور بصورة مرعبة ولافتة فى الفترة الاخيرة، فلم يعد الاعتماد مقتصرا على الذكاء الاصطناعى الذى لابد أن يتم تعلمه بشكل عميق ودراسته، ولكن الأمر تطور الآن لكيفية صنع هذه الآلات والبرامج بحيث يتم ضخ كميات ضخمة من الداتا مع إضافة قدرات خاصة بالتوقع وتحليل البيانات ورد الفعل، فاصبحت تحاكى العقل البشرى بشكل تقريبى»، متابعا: «ومع هذه التطورات تم التوصل لشىء اسمه الذكاء الاصطناعى التوليدى المدرك للذات، ويقصد به أن نعطيه البيانات فقط وأوصافا وطلبات وهو من تلقاء نفسه يستطيع توليد المادة مثل ستوديو جيبلى الذى يحول الصور لكارتون، وهذا تطبيق خطير جدا لأنه يسمح لنفسه أن يحتفظ بالصور الأصلية لديه كبيانات ويستطيع استخدامها فيما بعد فى تدريب برامج الذكاء الاصطناعى وعمليات جمع البيانات وهذا شىء خطير للغاية لأن هذه التطبيقات باستخدامها المجانى حصلت على إذن ضمنى من أصحاب البيانات باستخدامها وبالتالى فإن صانعى هذه البرامج لن يتم وضعهم تحت طائلة القانون لأنهم حصلوا على الإذن ضمنيا من المستخدمين، فكل شىء ليس للترفيه وخصوصا لو كانت التطبيقات مجانية لأن البيانات الشخصية هى الثمن، وأتمنى أن يكون هناك وعى بهذه التطبيقات الخطيرة لاحقا».
أما بالنسبة للذكاء الاصطناعى المدرك للذات، فوصفه أنه «خطر للغاية» لأنه يستطيع التعلم من أخطائه ويستطيع اتخاذ قرارات ذاتية من تلقاء نفسه بدون تدخل بشرى، فضلا عن الإشكاليات الأخرى التى تتعلق بالخطورة على الإبداع واختفاء حدود الملكية الفكرية، وغياب الحس الفكرى والشعورى عنه.
فى حين، أكد دكتور محمد حجازى خبير التشريعات الرقمية والرئيس السابق للجنة التشريعات والقوانين بوزارة الاتصالات، خطورة هذه التطبيقات وحدودها القانونية، قائلا «الذكاء الاصطناعى يعد واحدا من فروع علوم الحاسب الآلى وهو علم قديم، ولكن زاد الحديث عنه مع تطور الحاسوبات وقدرتها التخزينية العالية وحالة الانفجار المعلوماتى والبياناتى، وتطوير نظم تشبه القرارات والمهام التى يقوم بها الانسان بشكل كبير جدا وتحاكى القدرة البشرية، وهل يمكن أن يؤثر هذا الأمر على أمور معينة مثل استغلال صور شخصيات عامة فى صنع فيديوهات بالذكاء الاصطناعى مثلما شاهدنا مع أم كلثوم وعادل إمام وعادل أدهم، فبالتأكيد تفرض تحديات كبيرة ترتبط أولا بالخصوصية وحق الإنسان فى صوته وصورته وبياناته عموما وعدم استغلالها إلا بإذن شخصى منه، وهذه واحدة من الامور التى ينظمها قانون حماية البيانات والمعلومات المصرى بشكل أساسى، واستغلالها بدون إذن صاحبها يضع مستخدمها تحت طائلة القانون».
وقال حجازى إن استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى والمخرجات الناتجة عنه تتقاطع مع عدة قوانين فى التشريع المصرى، «بدأ الذكاء الاصطناعى يخلق مخاوف كبيرة رغم قدراته الفائقة وآثاره الإيجابية، وأهمها تلك المرتبطة بالخصوصية واتخاذ قرارات نيابة عن الإنسان بشكل كبير، فضلاً عن تقاطعه مع أمور لها علاقة بالملكية الفكرية واستغلال البيانات والتشهير، فمثلا عندما يظهر عبد الحليم حافظ أو أم كلثوم يغنيان أغنية مستحدثة، فهنا دخلنا فى شق حماية الملكية الفكرية، كما يدخل فى قائمة الانتهاك المتعلق باستغلال بيانات الاشخاص لعمل مدخلات رقمية على تطبيقات الذكاء الاصطناعى».
وأضاف حجازى «هناك ما يدعو بالتزييف العميق أو الDeep fake الذى ظهر مؤخرا وينطوى على أكثر من جريمة ومنها استخدم الذكاء الاصطناعى لإنشاء مقاطع فيديو وصور جديدة وتسجيلات بأصوات أشخاص حقيقيين لم يقوموا بها بالفعل وهذا يدخل فى شق الملكية الفكرية واستغلال البيانات بدون إذن، وكذلك ما يتعلق بالتضليل والإضرار بالسمعة وانتهاك الخصوصية، وهذه إشكاليات تنظمها قوانين مكافحة جرائم تقنية المعلومات، لأن هذه الأمور تنطوى على إضرار بسمعة الشخص والتشهير به نتيجة الكلام الذى ظهر فى الفيديو وظهر أمام الناس أنه حقيقى للغاية وغير مفبرك».
ومثل سابقه، نفى حجازى وجود قوانين فى مصر تنظم عمل الذكاء الاصطناعى وتحمى الأشخاص من مخرجاته، قائلا «لا يوجد لدينا قانون موجه خصيصا للذكاء الاصطناعى وإنما لدينا قوانين تغطى الجوانب المختلفة المتعلقة بمخرجاته من انتهاك الخصوصية والملكية الفكرية واستغلال البيانات بدون إذن صاحبها والتشهير مثل قانون حماية البيانات الشخصية، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الذى يجرم أى استخدام لصور أو فيديوهات أو أصوات لأى شخص بدون إذنه أو ربطها بأمور قد تضره أو تشهر به أو تسبب له أى نوع من أنواع الضرر، وقانون العقوبات نفسه هناك فيه مواد متعلقة بالتضليل.