التواصل الإنساني في عصر الشاشات.. لماذا نفتقد الدفء رغم الاتصال الدائم؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!




رنا عادل وسلمى محمد مراد


نشر في:
الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 – 10:54 ص
| آخر تحديث:
الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 – 10:54 ص

منذ إطلاق د. منى الحديدي عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لمبادرة “يوم بلا شاشات” إعلاميا في سبتمبر الماضي، بدأ النقاش حول آثار استخدام الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي على جوانب شتى في حياتنا اليومية، ومن بين أبرز هذه التأثيرات تراجع جودة التواصل الإنساني، حيث يشعر الكثير من الناس بالعزلة رغم وفرة منصات التواصل الاجتماعي، مما يطرح تساؤلات حول الحاجة الماسة للتواصل الواقعي، وكيف يمكننا تعزيز شعورنا بالرضا تجاه علاقاتنا مع دوائرنا المقربة.

وفي هذا السياق يوضح لنا د. جمال فرويز أستاذ الطب النفسي في تصريحات خاصة لـ”الشروق”، الفرق بين التواصل الحقيقي والتواصل الافتراضي على صحتنا النفسية، وخطورة المحتوى الخاص بالعلاقات وكيف يمكننا دعم قدرات أطفالنا الاجتماعية بعيدا عن الشاشات.

 

الفرق بين التواصل الحقيقي والتواصل الافتراضي

 

أوضح د. جمال أن من أسباب شعور الكثيرين بالعزلة رغم توافر وسائل التواصل الاجتماعي هو وجود فروق جوهرية بين التواصل الاجتماعي الطبيعي والتواصل الافتراضي. فمع اعتماد العلاقات بشكل أساسي على الشاشات، لم تعد توفر للإنسان المشاعر والراحة التي كان يحصل عليها من خلال التواصل الواقعي. فأصبحت العلاقات أضعف، إذ لا يمكن لـ”لايك” أو السؤال الإلكتروني عبر الرسائل أن يوفر نفس تأثير ودفء اللقاءات المباشرة أو حتى التواصل الصوتي.

 

تأثير التواصل الافتراضي على الهرمونات

 

وأضاف أنه على الرغم من أن التواصل الافتراضي قد يمنح بعض الأشخاص الانطوائيين مساحة أسهل للتفاعل، فإنه لا يمكن أن يكون بديلًا كاملًا للتواصل الإنساني الحقيقي. فشعور الإنسان بالضيق أو العزلة رغم نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي يعود في الأساس إلى نقص إفراز مجموعة من الهرمونات الضرورية للاستقرار العاطفي، والتي لا تفرز بالاعتماد على التواصل من وراء الشاشات، وأبرزها:

الأوكسيتوسين: وهو هرمون يعزز الشعور بالمودة ويقوي الروابط الاجتماعية.

الدوبامين: وهو معروف بهرمون السعادة حيث يساعدنا على الإحساس بالفرح والحماس.

السيروتونين: ويرتبط هذا الهرمون بمشاعر الرضا والبهجة والاستقرار النفسي.

لذلك ينصح د. جمال بتخصيص أوقات منتظمة للتزاور والتجمعات الاجتماعية، وعدم الاعتماد على التواصل الافتراضي بشكل كامل، بل اعتباره وسيلة مساعدة فقط عند البعد أو السفر.

 

خطورة محتوى النصائح المتعلقة بالعلاقات

وأشار د.جمال إلى أثر سلبي آخر لا يقل خطورة، وهو انتشار المقاطع التي يقدم فيها غير المختصين نصائح عن العلاقات فهذه المقاطع غالبا ما ترسم صورة مثالية وغير واقعية، فتشوه لدى المتلقي مفهوم العلاقات الصحية، وتجعله ينظر إلى علاقاته نظرة ناقمة أو غير راضية.

ويدفعه ذلك إلى إسقاط مشكلات أو نصائح لا تناسب واقعه، ما يخلق خلافات كان يمكن تجنبها. لذلك يؤكد د. جمال على أهمية انتقاء المحتوى الذي نتعرض له بعناية، وعدم الاعتماد على مصادر عشوائية لتقييم أمور شخصية مثل العلاقات.

 

كيف نصنع لأطفالنا حياة اجتماعية صحية بعيدا عن الشاشات؟

 

ويشتكي كثير من الأهالي بسبب اعتماد أبنائهم المفرط على الشاشات وعجزهم عن الاندماج في التجمعات. وفي هذا السياق لفت د.جمال إلى أن ما يغفله البعض هو أن المشكلة لا تبدأ من الطفل وحده بل من القدوة التي يراها أمامه. فالطفل بطبيعته يقلد ما يشاهده، فإذا رأى والده لا يزور الأقارب أو والدته بعيدة عن التواصل العائلي، فسيتعامل مع الأمر باعتباره السلوك الطبيعي.

لذلك فدور الأهل محوريا في بناء هذا الرابط الاجتماعي. فالزيارات العائلية منذ الصغر تساعد الطفل على تكوين إحساس بالانتماء، وتمنحه مساحة آمنة للتفاعل مع الآخرين كما أن إشراكه في التجمعات الاجتماعية يعلمه مهارات التواصل ويكسر حاجز الخجل أو الانعزال.

لا يقل عن ذلك أهمية توفير محيط اجتماعي أوسع خارج إطار العائلة. فالانخراط في الرياضة أو الأنشطة التي يحبها الطفل يفتح له بابا للتعرف على أصدقاء جدد، ويمنحه عالما اجتماعيا حقيقيا بعيدا عن العزلة التي تفرضها الشاشات ليصبح الطفل أكثر قدرة على التفاعل وأكثر استعدادا لبناء علاقات صحية ومتوازنة.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً