أصوات مجهولة خلف السماعات في عالم الألعاب الإلكترونية.. من يتحدث مع أطفالنا؟‬

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!




رنا عادل وسلمى محمد مراد


نشر في:
الإثنين 22 ديسمبر 2025 – 1:11 م
| آخر تحديث:
الإثنين 22 ديسمبر 2025 – 1:11 م

لم يعد الخطر الذي يهدد الأطفال قادما من الشارع أو الغرباء في الواقع فقط، بل أصبح يتسلل بهدوء إلى غرفهم المغلقة، حيث يجلس الطفل منغمسا في لعبة إلكترونية، بينما يتحدث في الوقت نفسه مع أشخاص لا يعرف عنهم شيئا سوى أسماء مستعارة وأصوات عابرة.

في عالم الألعاب الإلكترونية الحديثة لم تعد الدردشة مجرد ميزة جانبية، بل أصبحت جزءً أساسيا من التجربة، لكن خلف هذه الميزة، تختفي مساحات واسعة من الخطر، خاصة عندما يكون الطرف الأضعف طفلا لا يمتلك الوعي الكافي للتمييز بين المزاح والتهديد، أو بين الصداقة والاستدراج.

في هذا التقرير نعرض واقع هذه الدردشات وما يحدث داخلها، وكيف تشكل تهديدا حقيقيا على الأطفال.

• كنت بلعب بس

داخل غرف الدردشات في الألعاب تكون البداية دائما بريئة، حيث تقول والدة الطفل زياد، الذي يبلغ من العمر 11 عاما، إن ابنها بدأ في الانعزال تدريجيا، يقضي ساعات طويلة مرتديا سماعات الرأس، يضحك أحيانا ويغضب أحيانا أخرى.

في البداية ظنت الأم أنه مجرد اندماج في اللعب، حتى اكتشفت بالصدفة أنه يتعرض لسخرية وشتائم من لاعبين أكبر سنا عبر الدردشة الصوتية داخل لعبة “ببجي”.

تلك الحالة ليست استثناءً، بل نموذجا متكررا لما يتعرض له آلاف الأطفال يوميا داخل غرف الدردشة في الألعاب.

• غرف دردشة بلا وجوه

من خلال تجربة قمنا بها شخصيا، وشهادات لاعبات ولاعبين آخرين، وجدنا أن بعض المستخدمين يستغلون هذه المساحات المفتوحة لطرح أسئلة شخصية، وإطلاق إيحاءات لفظية، ومحاولة نقل التواصل إلى منصات خارج اللعبة، وهي خطوات غالبا ما تكون مدخلا للتحرش أو الابتزاز، خصوصا عندما يكون الطرف الآخر طفلا أو مراهقا.

ويحذر أولياء الأمور من المخاطر المتزايدة لغرف الدردشة داخل الألعاب الإلكترونية؛ إذ تقول إسراء يحيى، إنه يحدث ابتزاز للأطفال من خلال تهديدهم بعدم اللعب والضغط النفسي مقابل إرسال أموال.

وأوضح محمد أحمد، أنه لاحظ مشاركة ابنه في شات جماعي داخل لعبة “لودو”، ذاكرا أن التواصل الصوتي والنصي بين اللاعبين قد يؤدي إلى تبادل معلومات شخصية، ما يعرض الأطفال والفتيات لاحتمال الوقوع ضحايا للابتزاز الإلكتروني.

وأكدت سارة يوسف، أن هذه الدردشات تمثل خطرا كبيرا، لاسيما عندما يطلب بعض اللاعبين من الفتيات إرسال صور أو معلومات يمكن استغلالها لاحقا باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للضغط المالي أو الابتزاز.

• وقائع تكشف حجم الخطر

في فبراير 2024، نشرت صفحة “قاوم” المعنية بقضايا الابتزاز الجنسي في مصر، عبر منصة فيسبوك، أن فتاة لم تُكمل عامها الرابع عشر، طلب منها لاعب على شات لعبة “لودو” إجراء مكالمة فيديو جنسية، بعدما علم بعمرها، مهددا بفضحها إذ لم تستجب له.

وفي تطور رقابي أثار نقاشا واسعا داخل الشارع العراقي، قررت وزارة الاتصالات في ديسمبر الجاري، حجب لعبة “لودو” بدعوى حماية العائلة العراقية من الابتزاز الإلكتروني والتداعيات الأخلاقية والاجتماعية التي تسببها أنظمة المراهنات داخل اللعبة، وذلك بعد سلسلة تقارير رسمية تشير إلى ارتفاع معدلات الخلافات الأسرية وحالات الابتزاز التي باتت ترتبط بشكل مباشر بغرف الدردشة التي توفرها اللعبة لمستخدميها.

وفي سبتمبر الماضي، أعلنت هيئة تنظيم الاتصالات الأردنية، أنها باشرت تنفيذ إجراءات لحماية الأطفال واليافعين من المخاطر الرقمية، وفى مقدمتها حجب غرف الدردشة فى لعبة “روبلوكس” داخل المملكة، بعدما أظهرت تقارير ودراسات متخصصة خطورة هذه الخاصية على سلامة النشء.

أوضحت الهيئة في بيان لها، أن الدراسات كشفت عن تعرض الأطفال عبر غرف الدردشة إلى مخاطر متعددة، أبرزها احتمالية الإساءة أو الاستغلال أو الترويج لسلوكيات غير آمنة، مؤكدة أن طبيعة هذه الغرف المفتوحة، واعتمادها على التفاعل المباشر مع مستخدمين مجهولين، يجعلها بيئة خصبة لانتشار محتويات غير ملائمة أو محاولات تواصل ضارة مع الأطفال.

• قرارات عربية مشابهة

تأتي خطوة الأردن في سياق توجه عربي متنامٍ لمواجهة مخاطر لعبة “روبلكس”، حيث حظرت كلٍ من قطر وعمان المنصة بشكل كامل، فيما قررت الكويت بدورها إيقافها استجابة لشكاوى الأهالي والجهات المختصة حول المخاطر التي تهدد سلامة الأطفال، أما في الإمارات، فقد أعلنت هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية عن تغييرات بالتعاون مع إدارة “روبلوكس”، شملت تعطيل ميزات التواصل مؤقتا وتعزيز أدوات الإشراف والرقابة باللغة العربية.

وفي السعودية، ألزمت هيئة تنظيم الإعلام المنصة بحجب المحادثات الصوتية والنصية وإيقاف أكثر من 300 ألف لعبة ضمن فئة “ألعاب التجمعات الاجتماعية”، إلى جانب تعزيز المراقبة عبر الذكاء الاصطناعي ومراقبين متخصصين بالعربية.

• واقع يفرض التحرك

تؤكد الوقائع والشهادات المتكررة أن غرف الدردشة داخل الألعاب لم تعد مسألة جانبية، بل قضية تمس السلامة النفسية للأطفال بشكل مباشر، وبين تقصير بعض شركات الألعاب، وغياب الوعي الكافي لدى الأسر، تبقى الأصوات والمحادثات المجهولة خلف الشاشات خطرا صامتا يحتاج إلى مواجهة جادة.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً